تغرق أنباء جزر القمر في مياه المحيط الهندي بين مدغشقر والساحل الشرقي لأفريقيا، وكأنها بعيدة عن الهموم العربية، مثلما تختفي أنباء الصومال في مرتفعات القرن الأفريقي. الدولة الأولى تعرفُ جنوب أفريقيا أو تنزانيا أنباءها، والثانية تبتلعها إثيوبيا، وكأن المحيط الهندي أو البحر الأحمر، ليسا بالأساس مياهاً عربية! والطريف أن البلدين انضمتا إلى جامعة الدول العربية، بهدف أساسي، ليس هو بالتأكيد "تمدد البعد القومي"، ولا الانضمام لقيادة عربية مشتركة، وإنما طمعاً في حماية وتعاون، ومساعدات العالم العربي، وخاصة دوله الكبيرة أو الغنية. هكذا كان الحال مع الصومال 1975، كما كان الحال مع جزر القمر 1993 (600 ألف نسمة) وكان على مجلس الجامعة العربية الموقر أو قمته أن تقدر تماماً أبعاد القبول أو التأني في قبول العضوية الجديدة؛ لكن وقد غلبت روح الكرم العربية فقد كان على الجميع تحمل نتائج القرار المهم، لكن ها نحن نجد المجموعة العربية تتلامس "برفق" ملحوظ مع كلا البلدين "المشكلتين"، بل وتبدو الإدارة الأميركية وحدها تدير الأمر مع إثيوبيا في الصومال، كما تبدو فرنسا مسترخية في جزيرة "مايوت" والمحيط الهندي بعد أن انتزعتها من دون أي تدخل عربي من جزر القمر عام 1997 وهنا يمكننا ملاحظة أثر الوجود الفرنسي غير المنطقي واضحاً الآن في دعم محاولة حاكم جزيرة أخرى من جزر القمر هي "نجواني" (295 ألف نسمة) لفصلها أيضاً عن مجموعة جزر القمر، بينما تحاول دول أفريقية أخرى ذات وزن مثل جنوب أفريقيا أن تدير معركة المحافظة على الأوضاع هناك ضمن نفوذها الإقليمي في إطار الاتحاد الأفريقي، أو التعاون مع تنزانيا، وليس إطار الجامعة العربية التي سعت جزر القمر إلى الالتحاق بها، لهذا الغرض وحده تقريباً. ولا ينكر أحد أن مجلس الجامعة الموقر في أكثر من دورة يقوم "بمتابعة الموقف"، أو بث "الدعوة للأطراف المتصارعة في جزر القمر لتجاوز خلافاتهم"، أو دعوة الدول الأعضاء لتغذية "صندوق دعم جزر القمر" في الجامعة بالتمويل المناسب (قرارات يونيو- سبتمبر 2007). في المقابل يحيل الاتحاد الأفريقي الأمر إلى "مجلس السلام والأمن" في الاتحاد لمعالجة القضية، حيث لدى الاتحاد شرعية التدخل بالقوة في حالة تعرض سلام وأمن الدولة العضو للتهديد. والاتحاد الأفريقي يعتبر الموقف في جزر القمر مهدداً لسلام شعبها وأمنه من جراء رفض حاكم "نجواني"- محمد بكر- الاعتراف بصحة انتخاب الرئيس "عبدالله سامبي" رئيساً اتحادياً "لجزر القمر المتحدة" عقب الانتخابات العامة في يونيو 2007. ويرفض "بكر" نتائجها. لذا تعد جزيرة "نجواني" الآن حالة انفصالية بناء على ترتيبات السيد بكر لانتخابات محلية اتهمها كل المراقبين بالتزوير. وبناء على سلطة الاتحاد الأفريقي التدخلية هذه، ووجود بعثه خاصة له في العاصمة المركزية "موروني"، فإنه قرر في أكتوبر الماضي توقيع الجزاءات على حاكم "نجواني" بمقاطعته وإدارته، ومطاراته، بل والتهديد بالتدخل المباشر، الذي يمكن أن تقوم به فعلياً جنوب أفريقيا. والأمل الآن أن يكون وجود بعثة الجماهيرية الليبية في جزر القمر واقتراب المملكة العربية السعودية واستثمارات دبي منها مؤخراً، وبعثات الاستطلاع والمتابعة من قبل الجامعة العربية، سبباً يجعل من مسألة جزر القمر مسألة عربية. كما تأمل أن تنفذ الأمانة العامة للجامعة التوصيات بوجود مكتب دائم لها هناك مثل مكتب الاتحاد الأفريقي، وأن تتخذ القمم العربية ومجالس الجامعة القرارات المناسبة بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي ودوله القيادية، لإنقاذ وحدة ورفاه شعب جزر القمر. وما ذكرته هنا عن الوجود العربي الضروري في جزر القمر لا يحيل إلى قضايا خطيرة حول "الاستراتيجية العربية" أو "الأمن القومي العربي" مثلما يفعل بعض الكتاب أو المسؤولين، فقد أصبحت هذه هموما بعيدة عن الأمر الواقع بكثير، ولكني أثيرها إشارة إلى الهم المباشر لشعوب المنطقة متعلقاً بالحياة اليومية لشعوبها، أو فرص العمل المتواضع لأبنائها، في ظروف تتضاعف فيها مداخيل الدول العربية- بترولية وغير بترولية- بمليارات الدولارات نتيجة مضاعفة أسعار البترول الفلكية التي تدخل الخزائن الرسمية. وقد يثير حال أبناء جزيرة صغيرة مثل "نجواني" القضية الأخطر فعلياً إزاء الأنباء المتواترة عن هجرة أبنائها بالآلاف إما إلى العاصمة الفقيرة أيضاً أو إلى مدغشقر الأشد فقراً. لكن الأخطر هو هجرة أبناء جزر القمر عموماً بمئات الآلاف إلى أوروبا وخاصة فرنسا، بل وثمة حوالى أربعة آلاف منهم في مصر الفقيرة بدورها! هذه الهجرة التي ترد أنباؤها، عن ملايين الصوماليين، والعراقيين، بل وملايين المصريين إلى "الخارج" تطرح سؤالاً خطيراً... ولا أعرف كيف يكون "استراتيجياً" اللهم إلا أن تكون "عملية التنمية ومواردها البشرية" مسألة "استراتيجية"! إن ما يتعرض له أبناؤنا وأخواتنا في بلاد "الغربة" الأوروبية الآن وصل إلى حد المهانة، ولا يعقل أن تكون هذه المليارات غير قادرة على التفاعل في البيئات الاقتصادية والاجتماعية داخل البلدان العربية... اللهم إلا إذا كان هدف حكامنا هو التخلص من هذه الشعوب ليستمتعوا بحكم هادئ في بلادهم! لكن للأسف إن حكاماً أوروبيين ينظمون الآن بدورهم طرد هذا النوع من البشر، ويسميهم بعض زعماء أوروبا الجدد مثل ساركوزى "بالغوغاء" أو المشردين، لأنه بدوره يريد أن يحكم في هدوء، مشبعاً بالمليارات العربية التي تحققها صفقاته مع دول الشمال الأفريقي أو الخليج العربي. إن الاضطراب الاجتماعي المتوقع في وجه حكامنا في السنوات- وقد تكون الشهور القليلة القادمة- أخطر استراتيجياً- مما نتصور، وقد لا تفيد في معالجته وقتئذ خطط "كوندوليزا رايس" أو ساركوزى... وإذا كنا نطالب بإنقاذ جزر القمر، فإن ذلك لا يبدو مدهشاً للإدارة السياسية والاقتصادية لدول الخليج مثلاً، صاحبة النفوذ التاريخي في المحيط الهندي، وصاحبة العلاقة الوثيقة مع جنوب أفريقيا المتنفذة في المنطقة الآن، مما قد يجعل لآلية العولمة فائدة أخرى غير مجرد الانغماس في شرورها وتبعياتها. ومن يريد أن يستذكر الشرور- دون رغبتنا في التهديد- فعلية أن يقرأ ما صدر مؤخراً في الصحف البريطانية والأميركية عن المدعو "عبد الله فضل" أحد أبناء جزر القمر الذي اعتبره الأميركيون من قيادات "القاعدة" الذين دبروا انفجارات نيروبي ودار السلام... وينشط الآن في الصومال- وفق المصادر الأميركية، الأمر الذي دعا صحيفة "الإيكونومست" إلى إرسال مبعوثيها لبحث الأحوال في جزر القمر، والحركة السلفية هناك، ومقابلة عائلته التي وجدوا بعض أفرادها في زيارة الصومال لمقابلة ابنهم الموهوب "للقاعدة"، وخرجت الطائرات الأميركية من المحيط الهندي لضرب القرية الصومالية التي يهرب فيها المذكور! (الإيكونومست 12 يوليو 2007). فما الرأي في هذه الحالة العولمية، وأثر الفقر والهجرة على شعوبنا! وهل تضيء لنا "جزر القمر" بعض جوانبها؟!